قصص قصيرة : كوب من الليمون

قصص قصيرة
قصص قصيرة : كوب من الليمون


جئت الي الدنيا بعد اخي الاكبر "عادل" بسبعة اعوام وكان هذا الفارق في السن يمنعني من ان امارس معه رغباتي الطفولية كأن العب معه مثلا ولذلك كنت دائما اتمني ان يكون لي اخاً او اختيً صغري وكان دائما يدور نفس الحوار بيني وبين امي في هذا الموضوع.

انا: ماما انا عايز اخ صغير عشان العب معاه

امي: اجيبهولك منين ده يا مصطفي؟

أنا: من عمر افندي.

لا تضحكوا فقد كنت طفلا بريئا لا اعرف شيئا عن طبيعة الامور ولو انني كنت اعرف ان عمر افندي سيصبح علي هذه الحال التي يرثي لها لطلبت من امي ان تأتي بالطفل من كايرومول او حتي كارفور!!! ولكن الله لم يخيب املي وجاءت اختي الصغري ولأنها كما قلت هي أملي اصررت علي ان يكون اسمها "أمل" وكان لي ذلك. وبوجودها في حياتي نصبت نفسي مسئولا عنها وكذلك فعل اخي معي بعد وفاة والدينا, كانت أمل هي مصدر السعادة في حياتي بينما كان عادل هو رمز الابوة والمسئولية رغم دخله المحدود.



ومضت السنون وتزوجت ورزقني الله من لدنه رزقا وفيرا ولذلك كنت احيانا اساعد اخي في مشاكله المادية. وكانت زوجتي "منال" كثيرا ما تعاتبني علي هذا التصرف مع اخي. مسكينة زوجتي فهي لا تعرف معني الاخوة فقد وهبها الله اخاً يدعي "نادر" كان دائما يقيم في منزلنا وكان كتلة من البرود اما عن شكله فهو مشهور بلحيته وشاربه الطويلين. كان "نادر" هذا احد الطلبة الجامعيين وحتي اصدقائه لم يسلموا من اذاه وكان دائما ما يحدث الوقيعة بيني وبين زوجتي, خلاصة القول من كان لها اخ مثل "نادر" لم تكن لتشعر ابدا بما أُكنه لأخي من حب وعرفان بالجميل.



وجاء اليوم الذي ستتزوج فيه اختي "أمل" وكنت طوال اليوم اتنقل من مكان الي مكان اتابع ترتيبات الزواج مع "عادل" وكان اليوم طويلا شاقاً اما عن المشاكل فلا عد لها ولا حصر مما تطلّب مزيدا من الجهد والمشقة. وطلب مني اخي عشرة الاف جنيه كان في حاجة اليهم ورغم انه ليس باليوم المناسب فقد صعدت الي المنزل لأحضر له المبلغ وسط سيل من المعاتبات يخرج من فم زوجتي ونظرات من اخيها نحو النقود تخرج كالسهم القاتل من عينيه. وبدأ الحفل في المساء وهي الفرصة التي كنت انتظرها كي استريح واجلس في مكان واحد لأكثر من عشر دقائق ولكن كيف السبيل الي ذلك وانا مطالب بالحركة المستمرة, فلابد ان اخالط المدعوين اضاحك هذه واعاتب هذا واسأل عن احوال ذاك. وانتهت الليلة اخيراً وعدنا الي المنزل وانا شديد الانهاك وأعطي النفس الامل بالراحة ولكن ابني الوحيد "عمر" كان اول من خيَب ظني فقد بدأ بالحاحه المعهود يسألني عن الدراجة الذي طلبها مني وكي اسكته وعدته بأن آتي له بها بعد اسبوع, ومع ذلك لم اكن اخطط لأن اشتري تلك الدراجة فقد كانت في نظري اهدار للنقود. وجاء الدور علي زوجتي واخيها:

منال: انت كل شوية هتدي فلوس لاخوك الكبير ومش معبرنا؟

نادر: طبعا مهو اللي معاه قرش ومحيره.

انا: اسكت انت دلوقتي يا نادر انت اصلا عامل زي الفار اللي قارفنا في البيت بقاله اسبوع, وبعدين يا هانم مش قلتلك الف مرة ملكيش دعوة بالموضوع ده؟

منال: بس يا مصطفي ...

انا: (بعصبية) مبسش, قومي يالله اعمليلي كباية لمون عشان اروق اعصابي من اليوم المتعب ده.

منال: طيب ما اجيبلك كباية لبن.

انا: انتي عارفة اني مبحبش اللبن خلصي يالله ومتتكلميش كتير وانا هقوم اغير هدومي.

ذهبت الي غرفتي لأغير ملابسي ولكن بمجرد ان دخلت ودون ان اقوم بأي شئ استلقيت علي الفراش من شدة التعب. استقيظت بعد قليل علي صوت زوجتي وهي تدعوني لشرب الليمون فقلت لها: هو الواحد ميعرفش ينام في البيت ده خالص, طالما شايفاني نايم يبقي مش لازم تصحيني عشان اشرب اللمون

_ هو لا كده عاجب ولا كده عاجب!! اللمون اهو واخوك عادل قاعد بره.

_ طيب اعمليله اي واجب علي ما اخرجله.

_ عملتله كباية لمون زيك.

خرجت وتحدثت معه في امور لا اتذكرها الان وبعد قليل انصرف وعدت الي حجرتي كي انعم بالنوم الذي تمنيته طوال اليوم. استيقظت في الصباح التالي وخرجت من الغرفة في صمت فقد كنت اظن ان الجميع نائمون ولكني سمعت صوت زوجتي واخيها يتحدثون في المطبخ وهممت بأن ادخل عليهما ولكني سمعت شيئا غريبا استوقفني في حوارهما:

نادر: حطيتيله السم ولا لأ؟

منال: اه طبعا حطتهوله امبارح, كلها يوم او يومين بالكتير ونخلص منه.
****************
 هذه واحدة من مجموعة قصص قصيرة هادفة اذا اردت المزيد اضغط على قصص قصيرة
*****************
كيف يحدث ذلك؟ زوجتي واخوها يخططون لجريمة قتل ومن المجني عليه؟ أخي؟ ماذا فعل لهم لكي يفعلوا به ذلك, يقتولنه بسبب الصعوبات المادية التي يواجهها والتي يستعين بأخيه عليها !! لا لا مستحيل, مستحيل ايها الغبي, انهم يريدون قتلك انت, الا تتذكر انك ايضا شربت كوباً من الليمون؟ ‘إذن فالأندال يريدون قتلي او قتل اخي او قتلنا سوياً, اما نادر فلا استغرب عليه ذلك ولكن منال, منال زوجتي ووالدة ابني كيف تفكر في ذلك, كل هذا بسبب المال!!



خرجت سريعا من المنزل بدون تفكير فلقد كان الانتقام قبل فوات الاوان هو كل غايتي, ذهبت الي الصيدلية واشتريت سماً فتاكاً وقررت ان استخدمه في الحال وباستخدام عصير الليمون ايضا. وعندما عدت الي المنزل اخبرتهما بأنني سوف اصنع لهما كوبين من الليمون ولكن بطريقة مختلفة عما اعتادا عليه من قبل. دخلت الي المطبخ وصنعت ثلاثة اكواب ونظرت حولي حتي اتأكد من انه لا احد يراني ووضعت السم في كوبين وخرجت بهما اليهما. والغريب في الامر اني لم اشعر بأي الم حتي ذلك الوقت, لا يهم فإن كانوا لم يضعوا السم في كوبي فقد وضعوه في كوب اخي وربما يحتاج السم الي يومين كي يكتمل مفعوله كما قالت زوجتي.

أنا: (بود مصطنع) اتفضلوا يا جماعة بس متتعودوش علي كده. (يشربان) ها ايه رأيكم؟

منال: عادي زي اللي انا بعمله.

أنا: وانت ايه رأيك يا ندور؟

نادر: انا مسميش نادر انا اسمي ابو الليف .

أنا: واشمعني الاسم ده؟

نادر: انت مش شايف دقني ولا ايه وغير كده ابو الليف اللي بيغني ده طلع جامد.

أنا: ماشي يا ابو الليف.

نادر: انا عايز اتكلم معاك بخصوص اللي حصل امبارح.

أنا: عايز تقول ايه يا ابو الليف.

نادر: انا عارف انك مبتحبنيش بس ده مش معناه انك تعاملني بالطريقة دي وخصوصا اني عايز مصلحتكم.

أنا: مصلحتنا في انك تتدخل في اللي ملكش فيه؟

نادر: طالما بيت اختي وجوزها يبقي ليا فيه.

منال: انت معدتش بتهتم بينا خالص يا مصطفي وامبارح كلمت نادر بأسلوب مش كويس, بقي نادر تاعبك طول الوقت وعامل زي الفار اديني حطيت سم للفار عشان تستريح !!

ولم اتمالك نفسي من الصدمة وصرخت: السم كان للفار؟!!! سيبوا اللمون ده من ايدكم.

نادر: ليه؟

أنا: (بصوت ذليل) اصل اللمون ده فيه سم.

نادر: فيه سم ازاي يعني؟

أنا: اصلي سمعتكم النهاردة وانتوا بتتكلموا عن السم وافتكرتكوا حطيتوه في عصير اللمون.

منال: انت عايز تموتني يا مصطفي!! فوق بقي يا اخي حرام عليك !! حرام عليك يا مصطفي اصحي بقي !! قوم يالله عشان نفطر.

نفطر؟!!

فتحت عيني فإذا بي ممدد علي السرير بنفس الملابس التي ارتديتها في حفلة الزواج دون ان اغيرها فسألت باستغراب:

_ هو انا نمت امتي؟

_ امبارح بالليل بعد ما قلتلي اعملك اللمون, دخلت عليك بيه لقيتك نايم مرضتش اصحيك.

خرجت من الغرفة وغسلت وجهي وجلست علي غرفة السفرة فوجدت نادر خارج من غرفته فقد استيقظ للتو فقلت له: صباح الخير يا ابو الليف.

فوقف لفترة ينظر الي بتعجب ثم ذهب الي الحمام وكأني لم احدثه.

ولم اكد انظر جانبي حتي وجدت عمر فقلت له: ان شاء الله يا حبيبي نخرج مع بعض النهاردة عشان اجيبلك العجلة اللي انت عايزها ففرح فرحا شديدا وقبلني قبلة حارة لازلت اشعر بدفئها حتي الان.

وجلسنا سويا علي المائدة ودار حوار بيني وبين زوجتي.

_ معلش يا حبيبتي انا عارف اني تعبتك معايا ياما ومكنتش بعاملك كويس, بس برده لازم تعرفي اني مقدرش اتخلي عن اخويا ابدا.

_انا معنديش اي مشكلة في انك تساعد اخوك بس المشكلة انك مش بتساعدنا احنا.

_ان شاء الله من دلوقتي هعرف ازاي اتغير.

_يا ريت يا مصطفي ... تشرب لمون؟

_ لأ, الا ده ... هاتيلي لبن احسن.

كتبت بواسطة
سامى اسماعيل

 هذه واحدة من مجموعة قصص قصيرة هادفة اذا اردت المزيد اضغط على قصص قصيرة


هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رسائل أحدث رسائل أقدم الصفحة الرئيسية

جميع الحقوق محفوظة لاصحابها كتب pdf ©2014 .