قصص قصيرة : مواطن بلا هوية

قصص قصيرة
قصص قصيرة : مواطن بلا هوية


" ماذا تقول أيها الأبله ؟ "
نطقها يعقوب بعصبية واضحة ،
فنظرت له بإشفاق قائلا " أنت تعلم جيدا ماذا قلت " ..
فقال والرذاذ يتناثر من فمه " أأنت مجنون أم تلك العربية الغبية أعمت عينك عن الحقيقة ؟ " ..

فقلت له بعصبية " لا تقل هذا عن نور "

قالي صارخا : "سأقتلها سوف اقتلها"

قلت له وقد امسكته من ملابسه " اني احذرك من ان تلمس لها شعرة واحدة وعندها سوف تندم "

تركته فسقط علي كرسي و انصرفت تاركا إياه يضرب أخماسا فى أسداس .. وفى طريقى إلى نور استرجعت كلامى مع يعقوب وذكرياتى ..

تذكرت كيف أتى والدى مع اليهود الذين هاجروا إلى اسرائيل بعد أن باعوا أملاكهم بثمن بخس لا يساوى حتى ربع ثمنها هربا من مصر بعد العدوان الثلاثى خوفا من أن يفعل عبد الناصر ما فعله هتلر باليهود ..

كان والدى يرفض الهجرة إلى اسرائيل بحجة أننا مصريون ولا يوجد شىء اسمه اسرائيل .. إنهم موعودون بالشتات .. وما أرض الميعاد الا أكذوبة من أكاذيبهم ؛ ولكن والدتى أقنعته بعد العدوان الثلاثى أن عبد الناصر سيفعل بهم مثلما فعل هتلر باليهود من محارق وهولوكست .

وقد سعت اسرائيل لتهجيرهم بأى طريقة كى لا تظهر مصر أمام العالم كدولة متسامحة .. لقد كانت اسرائيل تستقبل اليهود الغربيين بحفاوة شديدة وتقوم بتعيينهم فى أرفع المناصب بينما تلقى باليهود الشرقيين فى معسكرات ( الكيبوتس ) ..

وبعد سفرهم بسنتين ولدت أنا وكنت من جيل الصابرا وتوفى والدى بعد حرب الأيام الست .. لقد كان حزينا جدا لفراق مصر .. فقد كان دائما ما يخبرنى عن طيبة الجيران وكيف أنهم كانوا لا يعتبروننا مختلفين عنهم فى الدين .. وكان يرى أن الأرض ملك للعرب وما المنظمة الصهيونية إلا مغتصب لتلك الأرض .

لقد قالي لي ذات يوم "ان الفرق بين اي احتلال والاحتلال الصهويني ان اي احتلال اخر يكون له وطن ام ؛ اما الاحتلال الصهويني الغاشم هو عبارة عن مجموعة مرتزقة من جميع البلاد انهم بلا اصل و بلا تاريخ و بلا هوية وانا ايضا يا ولدي منذ ان وطأت قدامي تلك الارض واصبحت مواطن بلا هوية"

وبعد وفاة والدى شجعت والدتى أخى يعقوب على الالتحاق بالجيش .. والتحق بحرب الكيبور .. ولقى الجيش الصهيونى شر هزيمة وأضاع سيناء وجزء من الجولان .. ولكن بعضهم يرى أن تلك ليست بهزيمة لأانهم حصلوا بعد حرب الأيام الست على الضفة الغربية وغزة والجولان وسيناء ولم يفقدوا بعد حرب الكيبور سوى سيناء وجزء من الجولان .لقد كنت أتعامل بفتور مع هذا الموضوع .. فأنا ايضا منذ ان ولدت وانا مواطن بلا هوية

ولكن بعد أن تعرفت على نور .. تلك الفلسطينية ذات القوام الممشوق .. لقد خلبت لبى .. إنها تشبه حورية البحر .. وهى كما يقول المصريون بمائة رجل فهى تشارك المقاومة الفلسطينية فى خطف الجنود الاسرائيليين وتفجير معسكراتهم .. لقد عملت معها فى المنظمة وكنت أنقل لهم الأخبار عن الجيش الاسرائيلى .. تلك الأخبار التى أسمعها من أخى ..

اعترف أنى أحببتها ولكنى لم أستطع الاعتراف لها ذلك لأنهم كانوا يتعاملون معى بحذر شديد فى البداية وايضا لأختلاف الأديان بيننا ..

لقد علم أخر بعلاقتى بتلك المنظمة .. يقول عنهم إرهابيون ولكنى أراهم مناضلون .. كيف لتلك الحسناء أن تكون إرهابية ؟!!

لقد هددنى بقتل نور !!!!

لو اقترب منها لن ارحمه ؛ سادعه يتمني الموت افضل له من الذي سوف اعمله فيه.

وأنا فى سيارتى رأيت سيارة أخرى تقطع على الطريق .. خرج منها رجل يحمل بيده مسدس واطلق على رصاصة كادت تصيبنى لولا أنى تفاديتها فهجمت عليه وغلبته ومسكت برأسه وصدمتها بالسيارة صائحا : من الذى أرسلك ؟

لم يتكلم .. صدمتها مرات متتالية حتى قال لى وهو يتنفس بصعوبة " أخوك يعقوب " .. ألقيت به على الأرض وتصلبت بمكانى .. أخى يريد قتلى !!

استقليت السيارة بسرعة ذاهبا إلى المنطقة المقفرة التى تتخذها المقاومة مقرا لها .. ورأيت ابتسامة نور فانشرح صدرى .. ثم رأيت أخوها عدى يشرح لمجموعة من الشباب ملثمى الوجوه شيئا ما ..

حيانى بوجهه ثم استدار ليستأنف الشرح .. أدرت وجهى تجاه نور وقلت لها " خذى الحذر " .. قالت لى " الأعمار بيد الله " .. انهى عدى ما كان يقوم به ثم أتى إلى وقال " كيف حالك يا موسى ؟ " فهززت رأسى فيما معنها أنى بخير وأخبرته ما دار بينى وبين أخى ..ٌقال لى " توجد بعض الأسرار التى لا يجب أن أخبرك بها ولكنك أثبت أكثر من مرة أنك تستحق الثقة .. لقد خططنا لتفجير المعسكر ( بيت ايل ) " ..

ذهلت لوهلة ثم قلت " إنه المعسكر الذى يعمل به أخى !! "

قال عدى " نعم ، أعلم هذا ، ولكنه أصبح خطرا على المقاومة وعليك أيضا "

صمت لبرهة دار لحظتها بخلدي كل ما حدث ثم قلت " أنا موافق ، ولكنى أريد أن أقوم أنا بتلك العملية الانتحارية !! "

دهش عدى وأصيبت نور بالذهول وقالت " موسى ماذا تقول ؟ "

قلت " ما سمعتم ، وأنا أصمم أن أقوم بتلك العملية ؛ فأنا بأي حال من أحوال ميت اخي يعقوب لن يتركني في حالي "

بعدما وجد منى من اصرار وافق عدى ثم قال لى " سأذهب لاحضار سترة ملغمة "

وقفت أنا ونور صامتين للحظات ثم قلت لها " أنا أحبك "

جاء عدى وارتديت السترة ثم احتضنته ونظرت إلى نور .. رأيت الدموع تترقرق فى عينيها .. صافحتها ثم تركتهم وغادرت المكان ذاهبا إلى المعسكر ..

وصلت المعسكر فأوقفنى الجنود وسألونى " ماذا تريد ؟ " .. قلت " أنا موسى كوهين أخو العقيد يعقوب كوهين " ..

انتظرت لحظات أخبروا فيها أخى يعقوب بذلك خلال اللاسلكى ثم مررت عبر عدة ممرات حتى وصلت لحجرته ..

استقبلنى قائلا " لعلك عدت إلى صوابك " .. ثم استمر فى الحديث وأنا لا أسمع شيئا .. ذاكرتى تعرض الأحداث كلها ثم توقفت عند صورة نور ..

عندها ضغطت على الزر ..


*******************************************


نبأ عاجل على القناة الثانية الاسرائيلية

" هذا وقد ندد رئيس الوزراء الاسرائيلى بالأعمال الوحشية والإرهابية التى يقوم بها العرب مشيرا إلى أنه مؤخرا قام إرهابيون بتفجير معسكر ( بيت ايل ) وقد توافدت أنباء عن مقتل العقيد يقوب كوهين وما يزيد عن ال 40 جندى يبن قتيل وجريح !! "

تمت بحمدلله

كتبت بواسطة


 هذه واحدة من مجموعة قصص قصيرة هادفة اذا اردت المزيد اضغط على قصص قصيرة


هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رسائل أحدث رسائل أقدم الصفحة الرئيسية

جميع الحقوق محفوظة لاصحابها كتب pdf ©2014 .